الحلقة الثانية (5)

حرف الباء

من مس الله قلبه كان من بني اسرائيل ، ومن مس الله عقله كان من بني آدم … ليس لبني اسرائيل علاقة بالحرب الدائرة في الشرق الأوسط ! ما معنى هذا ؟ وما هي علاقته بالبينة والبعث والبقاء ؟ وما صلة ذلك بعلاقة الانسان بالكون ؟
مواصلة سلسلة حروف التكوين و تتبع النور الذي أنزلت به ونزل معها
 
١- الكون في حالة تسبيح ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ) والكون في حالة سجود ( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ) وظلالهم تعني كل شئ ساجد شكله الظاهر سجود ظله الباطن ، ويشمل ذلك كل شئ من شمس وقمر ونجوم وجبال وشجر ودواب .. ولذلك فالكون هو العبد الساجد ! إذن كيف عزل إبليس نفسه من الساجدين ؟ وهل يستطيع جزء من الكون ان يعزل نفسه من الكون ويستثني نفسه من كل من في السموات والأرض ؟ بل كيف عزل الإنسان نفسه من الساجدين !
٢- في هذه الحلقة فإننا سوف نستمر في النظر الدقيق المستأني في طائفة من الكلمات التي تبدأ بحرف الباء و اشتقاقاتها … إبليس ، وبني اسرائيل ، وبني آدم ، بلع و بلغ و بلي و بسط و البنين و البنات
٣- شعورنا شعوراً قوياً ومستمراً بمس الله لنا ، يجعلنا ننقلب لربنا في كل لحظة ، وهذا هو معنى بني اسرائيل الذين هم البشر الذين ينسبون انفسهم لله ، وتتم فيهم كلمته الحسنى ( وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ومن هذه القدرة العجيبة تتحقق لنا رؤية الله في صور الكائنات وفي صورتنا الإسرائلية التامة ( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ )
أما بني آدم فهم الذين يشعرون بعقولهم بمس ضر ثنائية الشر وإرادة الخير … ومن هنا تجئ الثنائية والإرادة البشرية كما هو واضح من قوله ( وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ )
وهكذا يظل القرآن سراً مكنوناً ، لا تمسه عقولنا إلا في حالة طهارتها من شكول المكان ومن جزئيات الزمان ، طهارة مصاقبة لطهارة قلوبنا في كل لحظة ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ )
٤- العلاقة بيننا وبين الكون تظل علاقة نظرية مالم نشعر شعوراً قوياً ومستمراً بأننا جزء لا يتجزأ من الكون بكل مافيه … أما العلاقة بين الفرد والجماعة فإنها وجدت حظها في التنظيم السياسي والاقتصادي والاجتماعي
٥- كلمة الأقصى مربوطة بالمدينة في سورة يس وفي سورة القصص ، وفي متابعة ذلك متعة عظيمة لمن يعرف المكان القصي ويعرف اقصى معنى للسجود ، حيث يكون الكون هو عبدالله الساجد سجود الأبدية ، وهذا هو معنى الفردية ( وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ) اي في صورة العبد العارف الكامل ، وان كان النساء والرجال يزعمون ويظنون انهم اجراماً صغيرة وليس كوناً كبيراً
وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
٦- في ظلال هذا المس اللطيف تتخبط عقولنا فتكون شيطاناً ك (الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ) فتهتز وترجع للماضي فتكون جاناً ( فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ)
٧- فهمك وفهمي لاهتزاز عصا العقل وهي تسعى متخبطة في الماضي ، يجعلنا ننظر الى حركات عقولنا المجسدة في خلجات نفوسنا ، فندرك معنى كلمة إبليس المشتقة من أحزان الماضي المتكسرة في أوهام المستقبل
ومن دقائق القرآن ان كلمة ابليس ذكرت احدى عشرة مرة في القرآن لتشكل ضدية لكلمة الملك المذكورة أيضا احدى عشرة مرة في القرآن ..
الملك الحقيقي مالك الملك هو الله … والملك المزيف هو ابليس ملك الوهم والخيال .. ومن هنا تستطيع ان تفهم اسرار ( هو ) حيثما وردت في القرآن ، لأن ( الهاء خمسة ، والواو ستة ، أي جمعهما احدى عشر ) وتلك هي شهادة الله بنفسه لنفسه ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ) و تلك هي شهادة حضورك بحضورك لحضورك ، لأن الحضور واحد
٨- إذن لا أحد يستطيع ان يستثني نفسه من السجود .. ومن استثنى نفسه من السجود كان إبليسا ، أي وهماً وخيالاً يحترق في نار جهنم … وقد وردت كلمة إبليس مستثنية من السجود ب ( إلا ) في سبعة مواضع في القرآن ، أشرنا اليها في الحديث المسجل ، وهذا هو معنى أبواب جهنم السبعة المقسمة في عقولنا الجزئية والمذكورة في قوله ( لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ )
ومعلوم ان القرآن العظيم معه السبعة المثاني ، التي تجعل النار برداً وسلاماً ، في بسطة ايادي العلم الملائكية ، التي تبلغ مطلع الشمس في عقول قوم لم يجعل الله لهم من دونه سترا … ويعلم هذا كل من ابتلى حضوره ما في صدره ، ومحص تقاؤه ما في قلبه ، تمحيصاً دقيقاً عميقاً ، وبلاءً حسناً عظيماً حتى تبين له آيات الله ( وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُّبِينٌ )
مركز دراسات التأويل.
 
بدرالدين يوسف السيمت
٦ يوليو ٢٠٢١
إشترك
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
عرض جميع التعليقات
0
نرحب بمشاركتك في التعليقاتx
()
x