الحلقة الأولى (7)

حرف الألف

معاني ال ( أخذ ) ورد فعلها في ال ( المؤاخذة ) وعلاقة ذلك ب البعد الآخر وكلمة ( الآخرة ) في القرآن
مواصلة سلسلة نظرات في حروف التكوين وتتبع النور الذي انزلت به وأنزل معها
 
١-الأخذ في القرآن مربوط وممتد الى البعد الآخر والآخرة … الأخذ و المؤاخذة، إشارة الى الفعل ورد الفعل، المطوي في يأجوج ومأجوج، وهاروت وماروت، وطالوت وجالوت، والمنشور في كل آيات القرآن الكريم، نشراً، يباركه ويزكيه، ويطهره، ويرفعه من التثني الى التوحيد:
وبالتوحيد يعرف كل شئ
ويجهل كل شئ بالتثني
٢- آيات القرآن تأخذ العقول الحاضرة، بالنواصي، الى أحسن تقويم في الأعالي، وتأخذ العقول الغافلة، بالأقدام الى أسفل سافلين، في الأداني … الأخذ في القرآن، يكون في عزة و إقتدار ( أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ ) بتوثيق موثق فوق جبال العقول وإهراماتها ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ) … وقد أخذ الله ميثاقاً من النبيين ومن الذين أوتوا الكتاب، ومن بني إسرائيل، نازلاً في المراتب، كلٌ حسب مبلغه من العلم، حتى شمل كل بني الإنسان، بصيانة حقهم في الحياة، وعدم سفك دمائهم، لأي سبب من الأسباب ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ) فدم القريب هو دمك، ودم البعيد هو دمك
٣- كلمات القرآن نور في اللحظة الحاضرة .. بهذا النور المبين، يمكن ان تنظر حركة الأفكار في عقلك، ترتجف بين الماضى والمستقبل، حتى يصبح عليها صبح اللحظة الحاضرة، جاثمة وغارقة في دار الأنوار ( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ )
ثم ينوع القرآن في أخذه لوصف حركة الفكر، أخذاً بديعاً، وأنت تنظر صاعقتها ( فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ ) وتسمع صيحتها، عند كل شروق لحظة مقبلة ( فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ )
٤- المؤاخذة، انما تكون برد الفعل، من النسيان أو الخطأ ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ) ولكن الله لا يؤاخذ الناس بما كسبوا ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ )
وتكون إرادة الله ومشيئته، جارية في لطف بالغ، يراه الرفعاء الأطهار ( إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ) فيرون اليسر، في العسر ومعه ( إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا )
ومن قصر به نظره عن ذلك، ظلم نفسه، فيراه أليماً شديداً ( وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ )
٥- الواح القرآن، هي الواح الأفراح الأبدية، التي في نسختها تتلألأ أنوار الهدى، في سعة الرحمة الواسعة، كلمح بالبصر … ولذلك فإن موسى العقل، لا يأخذها وهو غضبان ( وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ۖ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ )
بأنوار الهدى، وبعيون الرحمة، تكون النجاة الى شواطئ الأبدية، وأنت تنظر الأفكار الفرعونية تغرق في بحر الماضي، في كل لحظة ( وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ )
٦- بهذا الأخذ اللطيف، على شواطئ، الأبدية، تصير دنياك، علامات في طريق غير مطروق، وآيات بينات، يتوحد بها فكر الدنيا بفكر الآخرة، فتدخل الحياة الأخرى في دنياك، وتنعم بشذا زهرتها العليا ( كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۗ) حينئذ، تأخذ العفو، وتأمر بما تعرف، كلمح بالبصر، وتعرض عن الجاهلين، فيذهب الخوف، فتأخذ عصا نفسك، بيد ربك، وقد عادت الى سيرتها الأولى، مستقيمة بنقاء السريرة ( خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ )
٧- في اللحظة الحاضرة، يظهر لنا عيانا ًبياناً، ان المشيئة واحدة، هي مشيئة الله، كما لا توجد قوة إلا قوته ( مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بالله ) فتأخذ انت كل الأشياء بقوة الله ( فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ ) فتأتيك طيور الآفاق والنفوس، وهي تسعى على بطائن الحق وسرر الشهود، ( ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )
بهذه العزة، و بهذه الحكمة، تلحق كل لحظة جديدة، من لحظات زمانك، بالآخرة ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فتصير الدنيا بك، بيضاء من غير سوء، كلما ضممت يد أسبابك، الى جناح آفاقك، لحظة بعد لحظة ( وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَىٰ )
٨- هنا، الدنيا مطوية في الآخرة، بإرادتك التي ذابت في إرادة ربها ( مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ) بهذا الكمال، ترى في كل آية من آيات ربك، الآية الكبرى ( لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى ) فلا يزوغ بصرك، الى نار الدنيا الماضية، ولا يطغى الى نور الآخرة الآتية ( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ )
تركنا بحار الأوهام والإلتباس، فقد غرق ملك الوسواس، الذي أخذ سفينة الحواس، وأتى الله أساس الأساس، من غير قياس، في ظلك الحساس ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ ).
 
مركز دراسات التأويل
بدرالدين يوسف السيمت
٨ مايو ٢٠٢١
إشترك
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
عرض جميع التعليقات
0
نرحب بمشاركتك في التعليقاتx
()
x