الحلقة الأولى (3-1)

حرف الألف

شجرة الملكوت وطيور السماء والسير في وادي النور بحروف الكلمات على اضواء حرف “الف الواحدية

 

١- دراسة حروف القرآن حرفاً حرفاً، تكون يسيرة وخفيفة، إذا كنا في اللحظة الحاضرة النورانية، لأن الإسلام يقوم منذ الوهلة الأولى على النور ( أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ) .. اما اذا كانت عقولنا تتذبذب بين الماضي والمستقبل، وتتشبث بموروثها من العقائد والمراسيم والأفكار، فستكون هناك مشقة وصعوبة، بل حجاب بين المتحدث بالتأويل في اللحظة الحاضرة والمستمعين، هو ذات الحجاب الذي كان قائماً بين النبي الكريم و حاضريه يومئذٍ ( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا )
٢- من أجل تيسيير الدراسة وسلاسة العلاقة بين المتكلم والمخاطب، تم القاء الضوء على المعنى الغامض وراء الحروف اي الله، وبابه الإله، ونداء بابه اللهم
وبعد ذلك، تم القاء الضوء على المكان الذي يتلقى النور والإشراق، أي الأرض الحسية، والزمان الذي يتم فيه التلقي، أي العقل البشري، عندما يكون ساكناً في اللحظة الحاضرة، المعبر عنها ب ( الآن ) … وكذلك وسيط الفهم والتجلي أي ( التأويل)
لقاء الأرض بإشراق السماء هو معنى قوله ( وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا )
٣- اذن العلة ان الناس يجادلون بعقولهم المحدودة فيما وراء المحسوس ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ) وقد وردت كلمة منير أربع مرات، لتشبع معاني الكون المجسد ( الآفاق ) وفي زمان التجسيد ( النفوس البشرية ) وتحقيق ذلك ( الحق ) والاستمرار في التحقيق ( الشهود )
٤- البداية الصحيحة تكون بالنظر فيما نعلم اي الأرض الحسية والعقل البشري الذي يسجل حركة الاحياء والاشياء، ولقد وردت كلمة الأرض ( ٣٤ ) مرة
في حالة رفع بالضمة و (٨٦ ) مرة في حالة نصبٍ بالفتحة و ( ٣٢١) في حالة جرٍ بالكسرة
وليس المهم العدد، ولكن العدد تعبير عن كثرة تقلب العقل بين التبديل ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ ) او التسبيح أو الرج أو الزلزلة أو الضيق ( ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ) أو الوسع ( أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً) أو الفرش أو البساط، حتى تستطيع ان تمسك عقلك في قبضة واحدة ( وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ ) وبذلك يكون الإنسان خليفة الرب في الأرض ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) فتنبت الثنائية من أرض العقل ( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ ) مثل النبات ( وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا)
هناك متعة شديدة في مراقبة حركات العقل من فتح وضم وكسر من مرتبة السكون
٥- البقاء في اللحظة الحاضرة، يحسم الأمر، ويربط الارض بالسماء، ويكون ذلك ب ( الآن ) و ( الأول ) و ( التأويل ) و ( آل ) و ( أيان )
فإذا بدأنا ب ( الآن ) نجد الارض مربوطة بالسماء ومتصلة ب ( الله) .. ( الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ) وكلما قلبناها تظل ( الآن ) ( الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ) في ثماني مراتب
واذا نظرنا في ( أيان ) وجدناها مقيمة في اللحظة الحاضرة كل ساعة ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا )
وكذلك وردت ( الأول ) و ( آل) على هذا النسق
اما التأويل فقد وردت ( تأويله ) ثماني مرات ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّه) وبهذا يفتح باب اللاهوت للسير في الوادي المقدس
٦- الكلمة الشريفة ( الله ) يكون الدخول عليها من بابها ( الإله ) ومن ندائها الخفي ( اللهم )
اللهم تعني يا الله وهي النداء والدعاء الصحيح المقبول ( دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ) وذلك هو العدل بالقسط بين الأرض والسماء ( وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ) وتلك هي حياة السلام والخلود ( وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) وتلك هي حياة الحرية من كل القيود
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ ) وذلك نداء عالم الملك المتصل بالملكوت عن طريق القرآن الذي هو مائدة السماء ( اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا ) عيداً لنا اي تعود كل لحظة بمعنى جديد
٧- النداء اللهم هو المنادي من مكان قريب ( وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ) .. بكثرة سماع نداء اللهم يكون التأله والسكون في باب الله، باب الرضا وباب السلام الذي هو محض نور وذلك هو الصراط المستقيم الذي هو نقطة حرف الألف ( يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )
ولقد وردت كلمة الإله ثمانين مرة في القرآن الكريم، وقد ورد تفصيل بعض معارجها في متن الحديث … ومن ذلك نفي الغيرية، بالاستمرار في رؤية التأله في كل شئ ( يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ) ويكون الوقوف في هذا الباب طويلاً، كما هو محكي في سورة النمل ( أَإِلَٰهٌ مَّعَ الله) وهي مناجاة طويلة، في سورة افتتحت بطلاسم الحروف (طس) .. ولقد وردت تفاعيل وتشكيلات كثيرة للتأله، منها ( إلهنا ، إلهين ، آلهة ، إلهكم ، إلهنا ) وقد وردت آلهتنا ثماني مرات، حتى تكتمل دورة الوجود، في سير السايرين، فينظر كل سالك في ،سبل السلام الى إله نفسه المعكوف، فيحرقه في فؤاده، في نار الله الموقدة، ثم ينسفه في بحر الطبيعة، نسفاً متتابعاً كل لحظة ( وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ) بهذا التوفيق تتزامن دقات قلوبنا مع الله، تتقلب في النور وتحكي النور بالحروف الربانية .. من هنا وبهذا الهناء يفتح باب الله
٨- لقد وردت الكلمة الشريفة ( الله )في مقام الرفع مرفوعة بالضمة ( ٩٨٠ ) مرة ( وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءۚ) ثم وردت كلمة الله في مقام النصب مفتوحة بالفتحة ( ٥٩٢) مرة ( أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ثم وردت كلمة الله في مقام الجر مكسورة بالكسرة ( ١١٢٥ ) مرة … وليس المقصود العدد، وإنما كثرة العدد يشير الى الإطلاق( عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ ) فقد كان قلب نبي الاسلام العظيم معموراً بالاسم الشريف الله … المطلوب ان تتحرك قلوبنا مع حركة السكون والغموض الصامت الذي يلف الكون والمشار اليه بالله ( الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ) فترى الله في كل شئ، وتدور معه حيث دار ( فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِۚ ) وهذا هو التأويل أولاً وآخرًا ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ) فيستجيب الراسخون في العلم، الذين توجل قلوبهم ،إذا ذكر الله
بهذا التزامن والرضا، تزول شكوكك، ويعود بصيراً يعقوبك، وتكون في قلبك مودة لذات الشوكة، التي تسلك المسالك في أعماق العقول، والتي لا يودها أهل طائفة الغيرية ( وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ) حينئذ تتزامن ارادتك مع ارادة الله، فتحقق الحق بكل كلمة من كلماتك، فترى انك كلمة من كلمات الله التي لا تنفد ( وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ) .. حينئذ وحينئذ فقط تتوكل على الله، وما على ذلك من مزيد الا الله ( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ).
 
مركز دراسات الأويل
بدرالدين يوسف السيمت
١٨ ابريل ٢٠٢١
إشترك
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
عرض جميع التعليقات
0
نرحب بمشاركتك في التعليقاتx
()
x