١- سماعك للنبأ العظيم، وفهمك له، ومعيشتك له، هو نفسه دخولك بسلام في ابعاد جديدة آمنة، وحياة عظيمة آخرة، تنزع فيه قوة الله جميعا، كل قيودك من كل صدورك، وتقابل سرائرك سرورك ( ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ) … في هذا المكان الأمين، والسلام العميم، جاءت النازعات المنزوعات غارقات في بحر الروح، ناشطات سابحات بسرعة النور ( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا *وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا *وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا )
٢- نحن نعيش في الماضي الغارق، ونتخيل اننا نسعى في المستقبل الشارق ( ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ) … فاذا تذكرت ان سعيك ادبارا ، برزت في طبقات عقلك سعير الجحيم، لهيبا ونارا ( يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَىٰ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ ) … بهذه الرؤية، تأوي الى الجنة وشذاها، ولا تسأل عن الساعة ومرساها، لأنك انت من ذكراها
٣- انفطرت سماء الذات السامية، فكانت مكونا خالقا باقيا، وكونا مخلوقا فانيا … ولما كان الفاني يفنى في الباقي، صار الفاني باقيا .. مخلوق فان، عدله الباقي، فتساوى الفاني والباقي ( الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ) .. ولما كان بقاؤك عين فنائك، كانت الفتح سورتك، والوجود صورتك ( فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ ) .. لا تسأل عن اليوم والشهر، فسورة الانفطار تسعة عشر .. يوم الدين هو كل يوم حاضر، فلا تكون من الغائبين
٤- تشقق الإنفطار انشقاقا، فتمددت ارض العقول اطباقا ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ) فإذا القيت ما علق بك من اجزاء الانشقاق، و تخليت عن محتويات الاطباق، و كان كدح قمر عقلك في اتساق، لقيت ربك الخلاق ( يا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ) فينقلب عقلك الى حواسك مسرورا، و كتابك في يمينك منشورا، و ربك بك بصيرا
٥- ثم عاد الإبهام في سورة الرومان ب ( الم) ذات الظلال والأفنان.. الدنيا غالب ومغلوب ولكن الله غالب في الحالتين، فأمره واحد، ولا يكون اثنين، فافرح في الحالتين (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ )… علوم الدنيا ليست بعلوم ( وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ )
٦- ثم سرت سورة الروم في بساط النور .. آيات الخلق في سكون وحدة الزوجية، وخلق الأرض والسموات العلية، وأختلاف الألوان والأنفس البشرية، ونوم الغفلة بالليل والنهار، والبرق آيات خفية … وما زال الناس كل الناس على فطرة الله في طبيعتهم الإلهية .. ضعف ثم قوة ثم ضعف ثم قوة ربانية ( وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) خاتمة سورة الروم القرآنية
٧- ايماننا بالله هو تصورنا لله، وإفتتاننا بشبكة عقولنا العنكبوتية .. فجاءت سورة العنكبوت نسيجا في المجهول الباطن، إجلاء لفتنة المعلوم الظاهر ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ) وما زال الله المؤمن غنيا في إيمانه بإيمانه، لا يتأثر بإيمانك، ولا بإيماني .. ولا بجهادك، ولا بجهادي ( وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )
٨- سيروا في طبقات العقل، وانظروا كيف بدأ الخلق ؟ فإذا علمت ان اوهن البيوت لبيت العنكبوت، علمت ان ضرب الأمثال لا يعقله الا العالمون، وانتهيت حيث يجب الانتهاء، وانقلبت الى ربك رب الصفاء، فقد علمت ان غيره هباء ( إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ۚ)
يومئذ ترى حرم قلبك آمنا، ومن حولك يتخطف الناس في سبلهم مؤمنين كانوا ام مجاهدين .. حينئذ تبقى في حرمك الآمن، من لحظة الى لحظة مع الله مع المحسنين ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ )

بدرالدين يوسف السيمت
مركز دراسات التأويل
٢ يوليو ٢٠٢٠